samedi 2 avril 2011

عن المخاطر المزعومة للعلمانية

تنبع جل الإنتقادات الموجهة للمدافعين عن العلمانية من تصور خاطئ يفترض أن العلمانية تعادي الدين عامة والإسلام خاصة . وكثير ممن ينتقدون العلمانية لا يتوانون ، في سياقات أخرى ، عن الإشادة بحزب العدالة والتنمية التركي ناسيين (أو متناسيين) أن ذاك الحزب ينتمي إلى بلد علماني منذ أكثر من 80 سنة . وهؤلاء نفسهم قد يكون بعضهم قد تمتع (أو لايزال) بالإقامة في البلدان الغربية وباللجوء إليها أحيانا من بطش الحكام العرب ، مستغلين القوانين الوضعية في تلك البلدان التي تضمن ممارسة الشعائر للأقليات الدينية كما تضمن حرية التعبير . ولسائل أن يسأل لماذا كانت لندن بالذات محجا لمناضلي الحركة الإسلامية في تونس الذين طالتهم يد القمع البوليسي ، ولماذا لم يختاروا اللجوء إلى السعودية أو السودان (ذي الحكومة الإسلامية) أو إيران ؟


يقول أحدهم على مقطع فيديو متداول على شبكة الفايسبوك أنه في حال تم اعتماد العلمانية فإن : "تونس ماعادش تستمد التشريعات متاعها من الدين الإسلامي وفمة برشة قوانين باش تتبدل وبش تولي تتعارض كليا مع الدين الإسلامي. مثلا في الميراث المسلم يولي مجبر قانونا على مخالفة الشرع وارتكاب ذنب" . والمتحدث يفترض هنا ضمنا بأن التشريع التونسي مستمد من الدين الإسلامي وذلك غير صحيح ، إذ ينص الدستور (دستور 1959) على أن السيادة للشعب يمارسها حسب مايضبطه القانون (الفصل 3) ولاذكر مطلقا للشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع . فمجلة الإلتزامات والعقود مثلا تم استيحائها في بدايات القرن العشرين (في عهد الإستعمار) من تشريعات أوروبية ، ومجلة الأحوال الشخصية (وهي التي سنت في عهد الإستقلال) لا تتطابق مع الشريعة ، إلا في بعض الإجتهادات المعاصرة (مثل منع تعدد الزوجات) ولابد هنا أن نذكر أنه لا توجد أحكام تخص كل مجالات القانون في الشريعة ، لذلك فإن من يدعي أنه هنالك "تعارض مع الدين الإسلامي" عليه أولا إثبات ذلك التعارض بنص صريح يعارض صراحة النص القانوني . أما فيما يخص مسألة الميراث ، وإن فرضنا جدلا أن الدولة سلمت بمبدأ علماني هو مبدأ المساواة التامة بين الجنسين، فإنه لا شيء يمنع المورث من كتابة وصية حسب قناعاته الدينية لتقسيم ورثته من بعده . فالمبدأ في العلمانية هو أن الدولة هي دولة مواطنين لا دولة مؤمنين ، وذلك لاينزع بتاتا صفة الإيمان عن المواطن بل بالعكس ، يجعل من المواطن المؤمن مسؤولا عن تصرفاته أمام إلاهه ، حسب قناعاته الشخصية وحسب إيمانه .


يتطرق نفس الفيديو إلى مجموعة المخاطر المتخيلة المنجرة عن العلمانية :


1. حذف الآذان من التلفزة : داخل دولة مدنية تحكمها الديمقراطية لابد لوسائل الإعلام أن تخضع إلى سلطة مستقلة عن الجهاز التنفيذي (الحكومة). ولهذه السلطة المستقلة (الخاضعة لسلطة الشعب عن طريق رقابة مجلس النواب عليها) أن تحدد أهداف ومهمات وسائل الإعلام العمومية ، ومن بين هذه الأهداف يمكن أن نتصور تلبية الحاجات الدينية للمواطنين ، بما فيها إذاعة الآذان والحصص الدينية لكل الأديان الموجودة داخل الدولة ، دون استثناء ودون تمييز . هذا بالنسبة للإعلام العمومي ، أما الإعلام الخاص فمعلوم أنه أكثر حرية في اختيار برامجه ويمكن أن نتصور إذاعات وتلفزات أخرى على غرار إذاعة الزيتونة


2. عدم الإعتراف بالأعياد الدينية (العيد الكبير ، العيد الصغير ، المولد ، عاشوراء) : في البداية فإن الأعياد الدينية المعترف بها حاليا في تونس لا تشمل عاشوراء بل تشمل رأس السنة الهجرية (الفطر ، الأضحى ، المولد ، رأس السنة). ثم إن الأعياد الإسلامية الرسمية هي عيدان فقط (الفطر والأضحى) ، إذ أن العيدين الآخرين يمثلان تقليدا تونسيا لا أصل له في الدين (بما يعني أن دولة إسلامية عليها حذف عيدين من جملة أربعة !) . والحجة برمتها مردودة على أصحابها إذ لايزال الفرنسيون يحتفلون بخمسة أعياد ذات أصل مسيحي ، رغم مايعرف عن الدولة الفرنسية من علمانية عريقة !


3. نظام العمل بالحصتين في رمضان : صراحة لا يمكنني أن أتصور أن الدولة ستعلن عن إجراء لن يطبقه أحد ! فحتى المفطرون لن يبقوا للعمل في حصة بعد الزوال ! إن إجراء كهذا (إن حصل) هو غير براغماتي وغير قابل للتطبيق . فالدولة وإن لم تكن إسلامية يمكن لها أن تتأقلم مع غالبية الشعب التي تصوم رمضان ولا تقدر على العمل بنظام الحصتين


4. حذف التربية الإسلامية : أعتقد أن الإجراء الأكثر معقولية هو جعل هاته المادة إختيارية ، إذ لا يعقل أن تجبر دولة مدنية مواطنيها اليهود والمسيحيين والملاحدة والبوذيين على اتباع دروس في دين لايؤمنون به . ثم إن حرية الإستثمار وبعث المشاريع في دولة حرة مدنية وديمقراطية سيسمح ببعث مدارس دينية خاصة مثلما هو الحال في العديد من الدول الغربية


5. السماح للمبشرين بالنشاط في تونس وإغراء الناس بالمال : وهو شيء طبيعي ومنطقي إذ أن حرية المعتقد مكفولة بحسب الدستور ، وهذه الحرية لامعنى لها إن تم منع المجموعات الدينية من الدعوة إلى دينها . هل يتصور أحد اليوم أن يمنع أحدهم من دعوة الناس الى الإسلام في ألمانيا أو أمريكا ؟ إن حرية الدعوة الإسلامية ، كما حرية التبشير ، حريات أساسية لا يمكن المساس بها في أي دولة مدنية وديمقراطية . والحديث عن إغراء الناس بالمال يثير السخرية ، فمن يترك دينه ويعتنق دينا آخر لأجل المال لايستحق أن ينتمي لا للدين الأول ولا الثاني !


6. منع الصلاة في الشارع لتعطيل حركة المرور : إذا كان المسلمون في فرنسا وهم أقلية في بلد علماني ذي أغلبية مسيحية ، يصلون في الشوارع لضيق المساجد ، فكيف يمكن أن يتم منعهم في تونس ، وهي (وإن افترضنا أنها علمانية) ذات أغلبية مسلمة ! إن ممارسة الشعائر الدينية محددة في دستور 1959 بأنها يجب ألا تخل بالأمن العام . ولا أعتقد أن تعطيل حركة المرور لساعة من الزمن مرة في الأسبوع إخلال بالأمن العام . ثم أن مشكلة ضيق المساجد يتوجب إيجاد حلول عاجلة لها وذلك بإحداث صناديق تمويل لتوسيع المساجد وبناء أخرى . فلايعقل أن يتعبد الناس في الطريق العام وهو مكان غير مهيؤ لذلك .


المهم في رأيي هو الإبتعاد عن التهويل والتخوين وتصوير الفكر المغاير على أنه شر مطلق . وأضعف الإيمان أن يبحث المتحدثون عن العلمانية (سواء كانوا معها أو ضدها) في تاريخ الممارسة السياسية في العالم حتى نتعظ من تجارب أمم أخرى سبقتنا في مجالات سياسية وعلمية واجتماعية . ففي نظري التجربة التركية جديرة بالإهتمام (وكثيرون من محبي أردوغان كأني بهم يتناسون أن تركيا علمانية) كما أن المبدأ الذي لا يمكن الإبتعاد عنه هو مدنية الدولة ، بحيث لا يمارس السلطة السياسية رجال الدين بصفتهم تلك كما لا تستمد القوانين الوضعية من القوانين الإلهية . أما التنصيص على "الإسلام دينها" في الفصل الدولة فلا خلاف عليه إذا تم الإتفاق على مفهوم مدنية الدولة ، ولو أنه من الأنسب أن يتم التنصيص على "الإسلام دينها" في ديباجة الدستور لا في فصوله .